5‏/4‏/2012

يوم ... و يوم ... و يوم ...



استعاذ رسول الله صلى الله عليه و سلم من أرذل العمر و من العجز. وكل من أعرفهم من كبار السن ما من أمنية لهم إلا الرحيل بهدوء و هم في كامل صحتهم و دون معاناة الشيخوخة و أمراضها و قد كان دعاء جدتي في صلاتها: " يا رب يوم نزاع و يوم وداع و يوم نقابل رب كريم ".
رغم بساطة عبارتها إلا إني لم أفهم معناها إلا عندما كبرت فهي كانت تتمنى ألا تمرض إلا يوما و تودع أحبابها يوما ثم يتوفاها الله بعدها فلا تزيد معاناتها عن ثلاثة أيام.

إنها سنة الحياة وفطرة الله في خلقه أن ننضج و نصل لذروة صحتنا و جمالنا و شبابنا ثم نفقد كل ذلك إما تدريجيا أو ينهار بنا الحال حين تأتي النهاية. لكن هل يتقبل الكل هذا التسلسل الفطري أم يقاوموه و يحاولوا تغييره؟ خاصة و قد أصبح الشغل الشاغل لكل من حولنا من وسائل إعلام و شركات أدوية أو مستحضرات تجميل أو حتى أطباء إيجاد السبل المختلفة للإبقاء على شباب الشكل الخارجي من خلال إزالة التجاعيد أو الصبغات و خلافه مما يجعل المسنين أقل سنا. كذلك الإبقاء على شباب الجسد داخليا من خلال الدعوة للتغذية السليمة و ممارسة الرياضة و تناول مضادات الأكسدة و خلافه.

أصبح الجميع في ماراثون يلهثون فيه لينجوا من مصير حتمي. هل هم محقون في دوافعهم و مخاوفهم؟ ربما، أنا شخصيا إن شعرت بالعجز عن أداء شيء ما نتيجة عارض مرضي فإني أشعر بالشفقة على نفسي نتيجة هذا العجز و أنا حتى لم أنهي سنوات شبابي.
فما بال الرجل الذي كان قادرا على مجهود بدني كبير و حياته زاخرة بالأنشطة و الالتزامات و المسئوليات وكان دائما يفي بها  بمنتهى الكفاءة. ماذا إذا بدأ تدريجيا بالعجز شيئا فشيئا عن القيام بكل ما كان محور حياته و أصبح أقصى ما يقدر عليه أن يشاهد التليفزيون و يقرأ الجريدة و إذا أراد الانتقال داخل منزله لا يتمكن من ذلك إلا بمساعدة زوجته أو أحد أبنائه أو في أحسن الظروف متكئا على عصاته؟
أو المرأة التي تفقد جمالها و شبابها و صحتها شيئا فشيئا مع أول خط يرسمه الزمن حول عينيها و التجاعيد الأولى التي تبدأ من يديها التين طالما استعملتهما في كثير من المهام الحيوية التي لولاها لأصاب منزلها الشلل و عجز زوجها و أبنائها عن مواصلة حياتهم بدونها من اهتمام بالمنزل و نظافته و إعداد طعام الأسرة و الاهتمام بأدق تفاصيل كل ما يخص حياة كل فرد بشكل مستقل. ماذا إن زادت تلك التجاعيد و الشعر الأبيض غزا سواد ليله وأصبحت يديها غير قادرتين حتى على الإمساك بكوب أو طبق؟

هل يتقبل الناس التطورات الطبيعية التي تحدث نتيجة التقدم في العمر و ينظروا إلى الجانب المضيء لحياتهم؟  هل ينظروا إلى ثمرة هذا العمر من أبناء و أحفاد و سيرة عطرة و خبرة يعتد بها في مجال عملهم السابق و حياتهم ككل فيتسموا بالرضا الذي يزيد وجوههم نورا و يجعلهم قبلة كل من يحتاج عون أو نصيحة و يجعل الكل يشعرون بالراحة لمجرد التواجد معهم؟

أم يشعرون بالحنق والغضب من تلك السنين و ما فعلت بهم و يكررون دائما أنه كان لديهم المزيد ليعطوه لكن العمر لم يسعفهم فيصبحون قنبلة موقوتة لك المحيطين بهم، يخشون حتى من إلقاء التحية أو بداية أبسط الحوارات حتى لا ينفجروا في وجوههم و يعوضوا ما يشعرون به من نقص و عجز من خلال فرض سيطرتهم و آرائهم حتى و إن كانت خاطئة.

أنا شخصيا أتمنى أن أكون من النوع الأول لاقتناعي أن لكل عمر جماله و إن لم يكن خارجيا متمثلا في وجنات نضرة و عيون لامعة و جسد ممشوق و جلد مشدود و خطوة قوية على الأرض.
و مع ذلك أرجو ألا أصل لأرذل العمر حتى لا أثقل على من حولي بخدمتي ولو في أبسط الأشياء.

يا رب يوم نزاع و يوم وداع و يوم نقابل رب كريم


ملحوظة: قام الناشر بتغيير عنوان المقال دون الرجوع إلي و لكنه نفس المحتوى

0 التعليقات: